اهلين
الطغرائي
الطغرائي (453-513هـ / 1061 -1119م)
أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الملقب مؤيد الدين الأصبهاني المنشئ المعروف بالطغرائي. وزير وعالم كيميائي وشاعر اشتهر في القرن الخامس الهجري / الثاني عشر الميلادي. ولد في مدينة جي من مقاطعة أصبهان من بلاد فارس، بينما يمتد نسبه إلى أصول عربية فهو من أحفاد أبي الأسود الدؤلي. ولقد لقب بالطغرائي نسبة إلى استخدامه الطغراء في كتابته.
عاش الطغرائي في أصبهان أول حياته حيث تلقى العلوم الأولى في مدارسها، ثم انتقل إلى إربل في مقتبل شبابه حيث عمل أمينًا للسرّ. وكان طموحا للغاية فدخل في بلاط السلاجقة وخدم السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان وتولى مدة ملكه ديوان الطغراء، وكان آية في الكتابة والشعر فأصبح ينعت بالأستاذ. ثم تشوقت نفسه إلى الدولة الأيوبية فتنقل في المناصب، وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة. وتولى الوزارة في عهد الملك مسعود بن محمد في ولاية الموصل ، ولكن ما لبث أن فقدها بوفاة الملك محمود، إذ سعى السميرمي -وكان يتولى الوزارة في مملكة محمود بن مسعود في أصفهان - مع بعض أعوانه المقربين من الملك محمود أن يحرضوه على إعلان دولة السلاجقة للإقليم الغربي عام 513هـ / 1120 م. فأغاظ هذا الأمر الملك مسعود فسير جيشا تعوزه العدة وصحبه وزيره الطغرائي للقاء جيش الملك محمود بصحبة الوزير السميرمي، فدارت رحى الحرب بينهما في موقع على مقربة من همدان وانتهت المعركة بهزيمة نكراء لجيش الملك مسعود ووقع هو ووزيره الطغرائي في الأسر. فعفا الملك محمود عن أخيه مسعود بينما حكم على الطغرائي بالإعدام عام 515هـ / 1121 م.
عرف الطغرائي كشاعر بالدرجة الأولى وأديب وخطاط، وأن قصيدته التي نظمها في رثاء زوجته التي أحبها وأخلص لها الود وكانت قد توفيت بعد الزواج منه بمدة قصيرة، تعتبر من المراثي الجيدة وأدرجها في هذا الباب كثير من الأدباء المحدثين. كما نظم اللامية في ذم زمانه وتذمره مما كان يكابده وقد لاقت هذه القصيدة شهرة كبيرة وترجمت إلى عدة لغات.
كذلك كان الطغرائي من أشهر من عملوا في ديوان الإنشاء حتى إنه لم يكن في الدولتين السلجوقية والإمامية من يماثله في الإنشاء سوى أمين الملك أبي نصر العتبي.
أما شهرة الطغرائي العلمية فتعود إلى براعته في الكي مياء التي تشير إلى أنه فك رموزها وكشف عن أسرارها. وقد بذل جهودا كثيرة في محاولة تحويل الفلزات الرخيصة من النحاس و الرصاص إلى ذهب و فضة وأفنى في سبيل ذلك جهدا ومالا كبيرين. وقد كتب الطغرائي عن هذه الصنعة وأجاز تحقيقها ولكنه بالغ في حكمة من يتوصل إلى الطريقة الصحيحة، فهو يتطلب ممن يمارس الصنعة أن يجيد الحكمة فكرا وعملا.
يقول الطغرائي في ذكر الصنعة ما نصه: "إن هذا العلم لما كان الغرض فيه الكتمان، وإلجاء الأذهان الصافية إلى الفكر الطويل، استعمل فيه جميع ما سمي عند حكمائهم مواضع مغلطة من استعمال الأسماء المشتركة والمترادفة والمشككة وأخذ فصل الشيء أو عرضه الخاص أو العام مكان الشيء، وحذف الأوساط المحتاج إلى ذكرها، وتبديل المعنى الواحد في الكلام الطويل، وإهمال شرائط التناقض في أكثر المواضيع حتى يحار الذهن في أقاويلهم المتناقضة الظواهر، وهي في الحقيقة غير متناقضة، لأن شرائط التناقض غير مستوفاة فيها، واستعمال القضايا مهملة غير محصورة وكثيرا ما تكون القضية الكلية المحصورة شخصية، فإذا جاء في كلامهم تصبغ أو تحل أو تعقد كل جسد فإنما هو جسد واحد وإذا قالوا إن لم يكن مركبنا من كل شيء لم يكن منه شيء فإنما هو شيء واحد."
ولقد ترك الطغرائي عددا من الكتب تبين نبوغه في مجال الكيمياء من أهمها كتاب جامع الأسرار ، وكتاب تراكيب الأنوار ، وكتاب حقائق الاستشهادات ، وكتاب ذات الفوائد ، وكتاب الرد على ابن سينا في إبطال الكيمياء ، وكتاب مصابيح الحكمة ومفاتيح الرحمة.
العراقي
العراقي(000 - 700هـ /000 - 1300م )
أبو القاسم محمد بن أحمد العراقي كيميائي عاش في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي .
العراقي من أشهر الكيميائيين العرب الذين جاءوا بعد فترة من الركود في علم الكيمياء ، ولم تذكر الموسوعات أو كتب تاريخ العلوم سنة ميلاد هذا العالم، بل إن الموسوعات العربية قد اختلفت في القرن الذي عاش فيه، فالتهانوي ذكر في موسوعته أنه قد عاش في القرن السادس الهجري / الثانى عشر الميلادي، ولكن العراقي نفسه في مقدمة كتابه: عيون الحقائق ذكر اسم الحاكم في زمنه وهو الملك الظاهر ركن الدين، ومن المعروف أن فترة حكمه قد امتدت من 658 - 676 هـ /1259 - 1374م، أي أنه من المؤكد أن العراقي قد عاش في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي، وترجح بعد الموسوعات أنه قد توفي عام 1300 ميلادية. ولكن من المؤكد أن العراقي ولد بالعراق وأنه من أشهر علماء الكيمياء في عصره إلا أننا لا نعرف عن حياته شيئا.
وقد اطلع العراقي على كتب السابقين من العلماء المسلمين في علم الكيمياء ، وبخاصة جابر بن حيان ، واطلع كذلك على تجارب العلماء اليونانيين خاصة عن نظرية تحويل المعادن، والعراقي يبين إمكان التحويل بطريقة منطقية تتفق مع ما هو معروف من أفكار عن أصل الكون وطبيعة المعادن. ومن أشهر مؤلفاته التي ناقش فيها تحويل المعادن كتابه: العلم المكتسب في زراعة الذهب الذي بدأ فيه بالدفاع عن نظرية تكوين الذهب من المعادن الأخرى، ثم انتقل إلى وصف طبيعة الإكسير وطريقة تحضيره، وذكر أن الفلزات الستة أفراد من نوع واحد يختلف بعضها عن بعض في الشكل والخواص، ولكنها ليست كأفراد النوع الواحد من الحيوان أو النبات لأنها قابلة للتبدل، والطبيعة الذاتية كامنة في هذه الفلزات ولا يفرق بينها سوى بعض الخواص العارضة التي يمكن إزالتها، ومن هنا فإنه من السهل تحويل الرصاص إلى فضة، فإذا أثرت النار في الرصاص أصلحته وأنضجته وتطاير الجزء الأكبر منه وتخلفت بقية صغيرة من الفضة، وبهذه الطريقة يمكن الحصول على ربع درهم من الفضة النقية من رطل من الرصاص. وبنفس الطريقة يمكن تحويل الفضة إلى الذهب مع تطهير نار السبك.
وقد أشاد المستشرقون بإنجاز العراقي في علم الكيمياء واعتبروه من مؤسسي نظرية التحويل وكما ذكر هولميارد فالعراقي تكمن أهميته في تفكيره المنطقي المتسق الذي لازمه في مناقشاته للقضايا الكيميائية معت مدا على التجريب في عمله وليس على الإيمان بالسحر، كما كان شائعا في فترة ركود علم الكيمياء قبل العراقي. كما أن أعمال العراقي توضح التقدم الذي وصل إليه علم الكيمياء عند العرب، والذي تأثر به فيما بعد العلماء التالون له.
عبد الله بن أميل
عبد الله بن أميل ( ق3 و 4هـ / 9 و 10م )
محمد بن أميل بن عبد الله بن أميل التميمي عالم الكيمياء والحكيم. عاش في القرنين الثالث والرابع الهجريين / التاسع والعاشر الميلاديين. ولم تحدد الموسوعات أو كتب تاريخ العلوم عاما لميلاده أو لوفاته أو شيئا عن حياته بالرغم من الدراسات الغربية العديدة التي قامت على أعماله والكثير من الشروح على أعماله من العلماء العرب التالين له.
اهتم العلماء الغربيون المحدثون بأعمال وآراء عبد الله بن أميل، وذلك لجمعه بين الحكمة والكيمياء، فقد كان قصده من العمل الكيميائي إطالة الحياة، وتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة وربط بين هذين العنصرين. فقد أراد عبد الله بن أميل أن يُنشط بالإكسير جسم الإنسان وأن يطهره ويصفيه من عوامل المرض والشيخوخة فتستقر حالته الصحية ويشعر بالنشاط والصفاء فيتخلص من جميع الشوائب. والعامل الذي يصفي جسم الإنسان يستطيع أيضا أن يصفي أجسام المعادن الخسيسة وينقلها إلى الصورة الدائمة التي لا تتبدل. تلك الصورة هي صورة الذهب .
ولعبد الله بن أميل قصيدة وضع فيها خلاصة خبرته في علم الكيمياء أسماها: القصيدة النونية وتدبير الحجر المكرم . وقد شرحها ابن أميل نفسه وغيره من العلماء. ومجموعة من القصائد على حروف الروي. وله كذلك قصيدة بائية في علم الصنعة. ولعبد الله بن أميل العديد من الرسائل والكتب الهامة ومن رسائله: رسالة في الحجر المكرم ، وهي عبارة عن خمس رسائل تناول فيها الأحجار الكريمة بالدراسة والفحص. ولعبد الله بن أميل مجموعة من الرسائل الكيميائية المرتبطة بالعلوم الأخرى مثل الطب والفلك ومنها: رسالة في البيان ، و الرسالة في معنى طبقات الحجر ، و رسالة على الجدول وهي رسالة في علاقة المعادن بالكواكب السبعة ، و رسالة في معنى التزويج ، و رسالة في معنى التركيب ، و رسالة في كيفية الإنسان . تناول فيها نظريته عن صفاء جسم الإنسان. و رسالة الشمس إلى الهلال وهي رسالة تناولها الكثير من العلماء بالشرح. و المباقل السبعة .
ومن كتبه: المفتاح في التدبير ، و مفتاح الكنوز وحل أشكال الرموز ، و مفتاح الحكمة العظمى ، و شرح الصور والأشكال ، و ميزان القمر وميزان الشمس . و الماء الورقي والأرض النجمية . وله مقالة ب عنوان: مقالة واضحة خالية عن الرمز في علم الصنعة الشريفة وهي مقالة سهلة الأسلوب وضع فيها مجمل خبرته بالكيمياء.
الهمداني
الهَمْداني (280-345هـ / 893 -956م)
أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني، الملقب بلسان اليمن، كيميائي وفلكي وجغرافي ومؤرخ وفيلسوف وأديب وشاعر اشتهر في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. ولد في صنعاء من أسرة يمنية يمتد نسبها إلى قبيلة هَمْدَانَ إحدى القبائل القحطانية.
ترك الهمداني صنعاء قاصدا مكة المكرمة في شبابه طالبا الجوار هناك فأطال الإقامة فيها. وهناك تلقى العلم عن بعض علمائها كالخضر بن داود، وأبي علي الهجري. فنبغ في الحديث والفقه والتاريخ، ثم ما لبث أن رجع إلى اليمن فنزل صعدة، وفيها درس على يد أشهر مشايخ اليمن هو الأوساني الحميري محمد بن عبد الله. كما عكف الهمداني على دراسة علم الحديث، والشعر، وعلم الأنساب، ومعرفة مواقع البلدان، ثم قرأ كتب القدماء في الفلسفة، ونال بها شهرة جعلته ثاني العلماء العرب الذين اشتهروا بالفلسفة بعد الكندي .
عاش الهمداني فترة صراع بين تيارات سياسية مختلفة، فكان الأئمة الزيديون يسيطرون على اليمن، وقد انضم لمؤازرتهم بعض القبائل اليمنية. وعلى الطرف الآخر كان الأمراء اليعفريون وقاعدتهم صنعاء وقد انضم لنصرتهم معظم قبائل اليمن التي كانت تسيطر عليهم العصبية القبلية. وبين هؤلاء وهؤلاء كان هناك أمراء آخرون من رؤساء القبائل يميلون مع هذه الفئة تارة، ومع الفئة الثانية تارة أخرى. وكان من نتائج هذا الانقسام أن أشعلت العصبية القبلية الحرب بين القبائل القحطانية والقبائل العدنانية، ووجد الهمداني نفسه في وسط هذا الصراع باعتباره قحطاني النسب.
شارك الهمداني في الحروب التي قامت بها بعض القبائل لإزالة مُلك الناصر الزيدي. فأوذي الهمداني بسبب ذلك من قبل الإمام الناصر لدين الله ملك منطقة صعدة التي كان يسكنها الهمداني، فخرج إلى صنعاء فكتب الناصر إلى واليها أسعد بن يعفر فسجنه بها. ولقد سجن الهمداني سنة 319هـ / 931 م ، ثم أخرج وأعيد إلى السجن مرة أخرى، ثم هرب منه، فكانت مدة سجنه 649 يوما.
وبعد هروبه من السجن ظل الهمداني يتنقل بين البلاد فترة طويلة حتى ضعف نفوذ الحكام الذين كانوا يسيطرون على اليمن في عهده، وانتهى به الترحال إلى الاستقرار في بلدة ريدة التي تقع وسط بلاد قبيلته همدان، حيث يقيم أهله، فبقي فيها إلى أن توفي عا م 345هـ / 956 م عن عمر يناهز الخامسة والستين عاما.
ترك الهمداني تراثا علميا ضخما يقرب من ثلاثة وعشرين كتابا في مختلف فروع المعرفة. فوضع في الجغرافيا كتاب صفة جزيرة العرب ويعتبر من أهم المصنفات العربية في دراسة جغرافيا شبة الجزيرة العربية لما يضمه من وصف لليمن وتهامة والحجاز، وقد استفيد منه في الثمانينات من القرن العشرين في اكتشاف مناجم الفضة والخارصين في جبال اليمن. وصنف في التاريخ والآثار والأنساب كتاب الإكليل الذي ضم فيه أيضا آداب الحِمْيَريِّين. وفي الكيمياء صنف كتاب الجوهرتين العقيقيتن المائعتين الصفراء والبيضاء وهو في تعدين الذهب والفضة.
المجريطي (338-398هـ / 950 -1007م)
أبو القاسم مسلمة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله المجريطي، رياضي وكيميائي وفلكي وطبيعي اشتهر في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. ولد في مجريط ، ودرس الرياضيات والفلك في الأندلس ونبغ حتى اعتبر إمام الرياضيين الأندلسيين في زمانه حتى لقبوه "بإقليدس الأندلس". لكنه ما لبث أن تنقل بين الدول الإسلامية بحثا عن العلم.
سافر المجريطي إلى بلاد المشرق الإسلامي والتقى بالعلماء في هذه البلاد، فدرس على أيديهم الطب والفلسفة والكيمياء، وبلغ فيها منزلة عالية. كما اهتم بتاريخ الحضارات القديمة واكتشافاتها وكتب بحوثا في التاريخ الطبيعي ، وتأثير المنشأ والبيئة على الكائنات، وكتب عدة فصول للبحث في مملكة المواليد الثلاثة: النبات والحيوان والمعادن.
كانت أهم إنجازات المجريطي في علم الكيمياء أنه حرر هذا العلم من الخرافات التي لصقت به، ومن السحر والطلاسم التي كانت مسيطرة على ذلك العلم في هذا الوقت. وقد بذل قصارى جهده- بكل نشاط- ليبرز هذا العلم على أنه علم شريف، فبدأ يدعو إلى دراسة الكيمياء دراسة علمية تعتمد على التجربة والاستقراء، ولهذا كان يرى أن دراسة علوم الرياضيات ضرورية لطالب علم الكيمياء، كما كان ينصح طلابه أن يتأنوا في دراسة النظريات الأساسية، ويدربوا أنفسهم على إجراء التجارب. وأن يتعودوا على التفكير في المواد الكيميائية، وما يحصل بينها من تفاعل كيميائي، وما ينتج عن هذا التفاعل من أشكال وصور جديدة.
من أقوال أبي القاسم المجريطي في فضل الكيمياء:"لا يجوز لأي رجل يدعي العلم إذا لم يكن ملما بالكيمياء، وطالب الكيمياء يجب أن تتوفر فيه شروط معينة لا ينجح بدونها، إذ يلزمه أن يتثقف أولا في الرياضة بقراءة إقليدس، وفي الفلك بقراءة المجسطي لبطليموس، وفي العلوم الطبيعية (الفلسفة) بقراءة أرسطو، ثم ينتقل إلى كتب جابر بن حيان والرازي ليتفهمها، وبعد أن يكون قد اكتسب المبادئ الأساسية للعلوم الطبيعية يجب عليه أن يدرب يديه على إجراء التجارب، وعينيه في ملاحظة المواد الكيماوية وتفاعلاتها، وعقله على التفكير فيها ".
ولقد توصل المجريطي نفسه من جراء هذا المنهج إلى نظريات هامة جدا في الكيمياء فكان إمام الكيميائيين في الشرق والغرب العربي في عصره. ومن هذه النتائج مثلا: تحويله الزئبق إلى أكسيد الزئبق بعملية تسخين بطيئة. كما كان له تفوق وإنجازات هامة في علم الفلك منها أنه توصل إلى اعتبار خط منتصف النهار مارا بقرطبة بدلا من الموقع التقليدي الوهمي الذي كان معروفا في ذلك الوقت بين الهند والحبشة. والجدير بالذكر أن موقع خط جرينتش المأخوذ به الآن لا يختلف عن الموقع الذي حدده المجريطي إلا بمقدار خمس درجات موجبة ناحية الشرق.
كما اهتم المجريطي أيضا بزيج البتاني وبزيج الخوارزمي وعدّل عن الأخير جداول فلكية كثيرة، فشكَّلت بذلك جداوله أساسا للمؤلفات الفلكية في أوروبا. وفي هذه الجداول نقل التقويم الفارسي إلى التقويم العربي الهجري. وفي مجال الفلسفة تناول المجريطي بالشرح والتعليق رسائل إخوان الصفا فأتاح بذلك إدخال مؤلفات عرب المشرق إلى الأندلس.
وعندما عاد المجريطي إلى قرطبة استقر فيها بقية عمره وقام ببناء مدرسة وضع فيها كتبا كثيرة حملها معه من المشرق فكوَّن مكتبة ذات مكانة علمية كبيرة. ولقد تتلمذ في هذه المدرسة عدد كبير من العلماء في شتى العلوم، كان من أبرزهم: ابن خلدون ، وأبو القاسم الغرناطي، وأبو بكر الكرماني.
ولقد ترك المجريطي عددا كبيرا من المؤلفات في الرياضيات والفلك من أشهرها: كتاب ثمار العدد في الحساب ، وكتاب تمام العدد والمعاملات ، ورسالة في الأسطرلاب ، ورسالة اختصار تعديل الكواكب . وله أيضا في الكيمياء كتاب رتبة الحكيم وغاية الحكيم .
الكندي
الكندي (185-252هـ / 801 -867م)
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، فيلسوف وطبيعي وكيميائي وفلكي وموسيقي ورياضي اشتهر في (القرن الثالث الهجري - التاسع الميلادي). كتب اسمه بأحرف من ذهب في مجال الفلسفة حتى عرف باسم "فيلسوف العرب". ولد بالكوفة لأسرة عربية أصيلة تمتد أصولها إلى قبيلة كندة. وكانت أسرته ثرية، فكان أبوه حاكما لإمارة الكوفة أيام الخليفة محمد المهدي وولديه الهادي والرشيد، وكان يمتلك أراض خاصة به في البصرة .
توفي والد الكندي وهو ما يزال صبيا فنشأ الكندي يتيما، إلا أنه رأى آثار أبهة الإمارة، وورث بالكوفة بيتا كان من أفخم الدور، ثم انتقل إلى بغداد حيث تعلم الفلسفة وما يتصل بها من علوم طبيعية ورياضية. ولما كانت هذه العلوم في أيدي فئة قليلة من السريان فقد عكف على أخذها من أصولها فتعلم اللغتين اليونانية والسريانية، إلا أنه لم يكن يترجم عنها بنفسه، بل كان يعالج ترجمة النقلة ويصلحها. كما درس العلوم الشرعية فأخذ الفقه عن الإمام أبي حنيفة والقضاء عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى. ثم انتقل الكندي إلى بلاط المأمون والمعتصم، فنال حظا كبير باطلاعه على العلوم المختلفة، وقد انفرد الكندي عن كل فلاسفة عصره بمحاولاته الجريئـة في الجمع بين أصول الفقه والعلوم العقلية، والتي مكنته من كتابة رسالة في التوحيد مبنية على طرق أهل المنطق.
قرب المعتصم بالله الخليفة العباسي الكندي، وكان معجبا بسعة علمه وتعدد معارفه، وعهد إليه بتأديب ابنه أحمد، وقد أهدى للمعتصم كتابه الأول المؤلف في الفلسفة، كما أهدى لابنه أحمد كتبا عديدة من مؤلفاته. ولقد عاش الكندي في دار الخلافة فعمل في خدمة الخلفاء وعلاجهم، واستطلاع التوقعات الفلكية لهم، كما عمل في ديوان الخراج، ونظرا لسعة معارفه فكان يجلس أيضا لمنادمتهم. ولقد ساعدته حياته في كنف الخلفاء على جعله أرسطقراطيا في حياته وفي مجالسه وفي تفكيره، وهذا ما جعل عددا كبيرا من كتاباته العلمية تخدم اهتمامات بلاط الخلافـة مثل رسالته في صناعة الزجاج ، والجواهر ، والعطور ، والموسيقى .
ولقد حافظ الكندي على مركزه في بلاط خلفاء سامراء، فكان يحضر المجالس العلمية التي اعتاد الواثق بالله أن يعقدها ويحضرها كبار الأط باء والفلاسفة، ثم جاء الخليفة المتوكل بعد الواثق فقرب الكندي إليه وقدمه في بلاطه، مما أثار عليه حسد الإخوة بني موسى ، إذ كان يعز أن يتفوق عليهم غيرهم في بلاط الخليفة. فسعوا في الوشاية به لدى الخليفة المتوكل، مما ترتب عليه أن صادر الخليفة مكتبته، والتي يعتبرها الكندي أكبر مصيبة حلت به في حياته كلها، وقد شاء الله أن أعيدت له المكتبة مرة أخرى.
لكن الكندي لم يعد إلى سابق عهده في قصر الخلافة، فمات بعد سنوات قليلة مجهولا مغمورا بعد أن عاش ما يقرب من سبعين سنة. وذكر في وفاته إنه كان يشكو ألما في ركبتيه وكان يعالج ذلك بالشراب العتيق، ولما كف عن تناول استخدام شراب العسل لم ينفعه، فقوي المرض عليه فأوجع العصب وجعا شديدا، فأتى الألم إلى الرأس والدماغ فكان سبب موته.
وتتركز شهرة الكندي في حقيقة أنه كتب في شتى فروع المعرفة، فقد صنف في الفلسفة، والسياسة، والأخلاق، والرياضيات، والبصريات، والموسيقى، والفلك، والجغرافيا، والمعادن، والكيمياء، والهندسة، والطب، وعلم النفس. وقد أودع جميع مؤلفاته في مقالات ورسائل وصلت في مجموعها إلى (250) مؤلفا. ولكن مما يؤسف له أنه لم يصلنا معظمها، وإنما وصلنا بعض رسائله في الفلسفة، وفي الطبيعيات، والموسيقى.